اختلف فن "الموشحة" منذ نشأته عن غيره من ألوان
النظم الشعري بكثرة القوافي وتعدد الأوزان . و يتولد إيقاع هذا الفن غالبا من رحم أوزان البحور المعروفة في الشعر العربي، و خلوه أحياناً من الوزن الشعري بالمرة ، معتمدا على الإيقاع الموسيقي الموزون و تنوع بين البحور ومجزوئاتها ، وهي تشترك في النظم مع الشعر الفصيح وتختلف عنه أيضا بإضافة اللغة العامية أو الأعجمية في أحاين عدة .
بصورة عامة فإن الموشحات هي خروج عن الأوزان المتعارف عليها في الشعر بإدخال حركة أو كلمة تتخلل القفل .
تغنى الموسيقيون في الأندلس بالموشحات حتى استقام لهم فيها أسلوبهم الخاص ، و لازالت تتغنى في بلدان شمال افريقيا ، باسم "المألوف" أو "طرب الآلة" أو " الطرب الغرناطي" وهذه التسميات لم تأت اعتباطا ، وإنما تاريخ عرب الأندلس الذين نزحوا بعد الكارثة التي حلت بهم إلى شمال افريقيا ، فكانوا يقولون لبعضهم بعضاً كلما تنادوا لمجلس الغناء و الأمسيات : تعالوا نغني ما "ألفنا" غناءه، أي ما ألفوا غناءه في الأندلس و اعتادوا على التطريب به ، فحافظوا على هذا القالب الفني للموشحات كما ورثوه من عرب الأندلس باعتباره أغنية المجموعة و الفرقة الغنائية .
يتم الإعتماد في تلحين الموشحات العربية على ضروب معينة خاصة بهذا القالب . وعدد الضروب الأساسية فيه عشرون وهي:
الخفيف
الثقيل
الشنبر
المربع
الورشان
الفاخت
المحجر
الرهج
المخمس
المصمودي
المدور
الستة عشر
الأربعة والعشرون
الظرافات
الأوفر
السماعي
الحجر المصدر
السرابند
السماعي الثقيل
السماعي الدارج
ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك ويقولون ، إن عدد الضروب والأوزان يجب أن تساوي عدد أوزان الموشحات التي تتجاوز المائة ، إذ أن لكل موشح ضرباً موسيقياً يقوم أساساً على وزنه الشعري . لذلك تعتبر هذه الأوزان المذكورة هي الضروب الأساسية التي تتفرع منها سائر الإيقاعات والأوزان الأخرى .
والموشح على نوعين: تام وأقرع. والموشح التام ما ابتدئ فيه بالقفل، أما الموشح الأقرع فهو ما ابتدئ فيه بالأبيات . والقفل في الموشح التام يتردد ست مرات وفي الأقرع يكتفي بخمس مرات ، وأغلب الموشحات المصرية من النوع الأقرع الذي يبدأ بالأبيات، ويطلق على القفل الأخير اسم "الخرجة"، وهذه اللفظة ما تزال تستعمل عند الأسبان ويطلقونها على البيت الأخير من القصائد التي ينظمونها "كرجه".
وجمع القفل ما ركب من جزئين أو ثلاثة أجزاء أو أربعة أو خمسة ... أو عشرة أجزاء أو أحد عشر جزء، ويفضل الوشاحون أن يكون القفل الأخير - أي الخرجة- باللغة العامية، وأما الأبيات، فمنها ما كانت أجزاؤها مفردة، ومنها ما كانت مركبة فتكون فقرتين وثلاثة أجزاء، أو فقرتين أو أربعة أجزاء، أو فقرتين وخمسة أجزاء، أو ثلاث فقر وثلاثة أجزاء، وأربع فقر وثلاثة أجزاء، وغيرها مما استخدمه الوشاحون في نظمهم وخرجوا به عن بحور الشعر وأوزانه المعروفة.
من هنا نجد بأن تلحين الموشحات ارتبط إلى حد بعيد بأقفالها وأجزاء أقفالها وخرجاتها، وبفقر أبياتها وأجزاء أبياتها، والتزم بأوزانها وطرق نظمها، حتى صار له ولها ضروب وأوزان يصعب حصرها وتعدادها اغتنت بها المكتبة الموسيقية، وبخاصة الموشحات التي تخالف أوزانها أوزان الشعر العربي، ولم تخضع لعروض الشعر التقليدي. ويمكن إجمال القالب الموسيقي الذي تصاغ فيه الموشحات بما يلي:
١ -يطلق اسم البدنية أو الدور على القفل في الموشح التام، وعلى هذه البدنية أو الدور يقاس تلحين "أجزاء القفل" أو الأقفال كلها.
٢ -يطلق اسم الخانة أو السلسلة أو الدولاب على الأبيات التي تلي القفل.
٣ -يطلق اسم "القفلة" أو "الغطاء" على القفل الأخير - الخرجة - التي تصاغ ألحانها كما ذكرنا وفق تلحين الدور أو البدنية.
هذا بالنسبة لتلحين الموشح التام، أما بالنسبة لتلحين الموشح الأقرع الذي اهتم المصريون بتلحينه أكثر من سواهم، فإنه يماشي الموشح التام في كل شيء ويخالفه في الابتداء لأن الموشح الأقرع كما هو معروف يبدأ بالأبيات بخلاف التام الذي يبدأ بالقفل.
ومن هنا فإن تلحين الموشح الأقرع يبدأ بالخانة أو السلسلة ثم بالقفل حتى تأتي "الخرجة" أي القفل الأخير .
أهم أنواع الموشحات من الناحية الموسيقية ثلاثة: الموشحات الأندلسية والموشحات المصرية والموشحات الحلبية التي تعتبر من الناحية الموسيقية أهمها على الإطلاق.
درس الموسيقيون الحلبيون مذ انتقلت موسيقا الأندلس وصناعة الموشحات إلى المشرق العربي، الموشحات الأندلسية، فاتبعوا طريقة غنائها دون اعتماد كبير على أسلوب النظم فقطعوا الإيقاع الغنائي على الموشحات الشعرية، وعلى الموشحات الأخرى التي لا تخضع لبحور الشعر. ويمكن إيجاز قالب الموشح الحلبي إذا كان الملحن من الموشح "قفلاً" أو "أبياتاً". أو"خرجة" بما يلي:
- سمي "القفل في الموشح "دورا" أو "بدنية".
- أطلق اسم "خانة أو "سلسلة" على الأبيات التي تلي القفل.
- صار اسم الخرجة - أي القفل الأخير - "غطاء".
أما إذا كان الموشح كاملاً فيطلق على "الأقفال" الستة عدا الأخير منها
اسم "دور" وعلى مقاطع الأبيات الخمسة - يفصل بين كل مقطع من الأبيات
والمقطع الذي يليه قفل من الأقفال- اسم "الخانات" أو "السلاسل" –خانة-
سلسلة - وعلى القفل الأخير – الخرجة - اسم "الغطاء". ثم طبقوا أسلوب
الأندلسيين في تلحينها إلا أنهم خرجوا عليها في المقامات - أي النغمات-
لتصبح وفق ما يلي:
- تطابق ألحان "الأدوار" في الغناء ألحان "الغطاء".
- تطابق ألحان "الخانات" أو "السلاسل" "الأدوار" في مقاماتها، أو في
المقامات القريبة من المقامات المستخدمة فيها.
ثم أضاف الحلبيون على غناء الموشحات نوعاً من الرقص عرف باسم
"السماح" وكان هذا النوع من الرقص مقصوراً على الراقصين من دون الراقصات لأسباب اجتماعية. وكان الراقصون يؤدون "السماح" على إيقاعات
الموشحات المختلفة. وتتألف وصلة الموشحات الحلبية عادة من عدد من
الموشحات المختلفة الضروب، فتبدأ بضرب مقياس كبير مثل "الشنبر"، ثم
تتدرج متنقلة بين مختلف الضروب، حتى تنتهي بضرب صغير مثل
"السربند" أو "الدارج".
تطور رقص السماح بفضل الموسيقي الكبير عمر البطش لتغدو
حركات الأيدي والأرجل تنطبق مع إيقاعات الموشحات، فيختص كل إيقاع
إما بحركات الأيدي، وإما بحركات الأرجل، أو بالاثنتين معاً .